فلا تقل لهما أف - 16 أغسطس 2017

صحيفة المدينة

فلا تقل لهما أف - 16 أغسطس 2017

2021-10-23    621

تمرُّ على الإنسان في الحياة مواقف يمرُّ عليها الزمن فتُنْسَى ، ولكن بمرور مواقف أخرى تعود إلى الذاكرة تلك المواقف فتحدث في النفس اعتزازًا أو انكسارًا بحسب الموقف .

ومن تلك المواقف التي مرَّت بي أنني في تسعينيات القرن الهجري الماضي كنت أحد خريجي مدرسة مكة الثانوية القسم العلمي وفي ذلك الوقت لم يكن هناك خيار أمام خريجي الثانوية العامة في المملكة العربية السعودية لتكملة الدراسة الجامعية إلا جامعة الملك عبدالعزيز في جدة وجامعة الملك سعود في الرياض وكلية البترول والمعادن في ذلك الوقت التي أصبحت جامعة فيما بعد ، وكانت في الظهران .

وكانت الرغبة آنذاك أن أكون مهندسًا وكانت كلية البترول والمعادن الوحيدة التي كانت تجري اختبارات قبول للمتقدمين إليها ليتم اختيار أفضل المتقدمين .

وتم ترشيحي - ولله الحمد - للدراسة في تلك الكلية وحزمت حقائبي وذهبت إلى الظهران وقدمت أوراقي وأكملت إجراءات التسجيل وبعدها اتصلت هاتفياً بالوالد رحمه الله والوالدة أطال الله في عمرها في صحة وحسن عمل ؛ لأطمئنهما بأن أموري على ما يرام ، وإذا بهما يطلبان مني العودة إلى مكة المكرمة والالتحاق بكلية التربية التي كانت تحت مظلة جامعة الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت وذلك للحاجة إلى قربي منهما .

وفي الحال قدمت اعتذاري لكلية البترول والمعادن ، وعدت أدراجي استجابة لطلب الوالدين بدون تأفُّفٍ أو اعتراض عملاً بقوله تعالى (فلا تقل لهما أف) ، وقدمت أوراقي لكلية التربية على الرغم من مرور أسبوعين من الدراسة ، وقبلت في قسم الرياضيات والفيزياء ، وتخرجت - ولله الحمد - بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى وكنت الأول على الدفعة وكان ذلك كرمًا من الله بفضله ثمَّ بتقديم رغبة الوالدين على رغبتي.

تذكرت ذلك عندما مر بي من شهر تقريبًا حالات مماثلة .

إذ مرَّ بي بعض أولياء الأمور يطلبون التحاق أبنائهم وبناتهم بجامعة أم القرى في تخصصات موجودة في جامعات مناطقهم .

وكنت أشرح لهم المصاعب التي سيلاقيها الأبناء والبنات عند الدراسة في مناطق بعيدة عن مساكنهم وكان أولياء الأمور يذكرون أن ذلك تلبية لرغبة أبنائهم على الرغم من رغبتهم أن يكونوا بقربهم لحاجتهم إليهم لدرجة أن بعضهم طلب مني إقناع أبنائهم أن يدرسوا بالقرب منهم.

وقد فعلت ذلك في أكثر من حالة وأذكر لهم ما كان مني سابقاً وكيف أن الله أكرمني بسبب طاعة الوالدين وتقديم رغبتهما على رغبتي بدون تأفف أو ضجر ، فأملي في أبنائنا وبناتنا أن يدركوا أن حياة والديهم فرصة لا تقدَّر بثمن ، لذلك عليهم أن يبادروا بتقديم رغبتهما ، والاستجابة لمطالبهما قبل أن يحال بينهم وبين ذلك برحيل الآباء والأمهات ، وحينها يتحسرون حين لا ينفع الندم.


مشاركة :